فصل: بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا‏]‏

المتن‏:‏

يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ، وَبِشَرْطِ إبْقَائِهِ، وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ، لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ لَا كَكُمَّثْرَى، وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي جَازَ بِلَا شَرْطٍ‏.‏ قُلْت‏:‏ فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنَا الْقَطْعَ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ جَازَ بِلَا شَرْطٍ، وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ السَّابِعِ وَهُوَ الثِّمَارُ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ نَوَاهَا وَقِمْعَهَا فِي ضِمْنِ فَصْلٍ فَقَالَ‏:‏ فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا ‏(‏يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ‏)‏ أَيْ ظُهُورِ ‏(‏صَلَاحِهِ‏)‏ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ‏(‏مُطْلَقًا‏)‏ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ وَلَا تَبْقِيَةٍ ‏(‏وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ وَبِشَرْطِ إبْقَائِهِ‏)‏ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأُصُولُ لِأَحَدِهِمَا أَمْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَيَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلٍّ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَعْنَى الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَمْنُ الْعَاهَةِ بَعْدَهُ غَالِبًا لِغِلَظِهَا وَكِبَرِ نَوَاهَا وَقَبْلَهُ تُسْرِعُ إلَيْهِ لِضَعْفِهِ فَيَفُوتُ بِتَلَفِهِ الثَّمَنُ، وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِقُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ‏}‏ ‏(‏وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ لَا يَجُوزُ‏)‏ أَيْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَحْرُمُ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ‏(‏إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ‏)‏ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمُقْرِي مُنْجَزًا ‏(‏وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ‏)‏ كَلَوْزٍ وَحِصْرِمٍ وَبَلَحٍ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بِالْإِجْمَاعِ الْمُخَصَّصِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، فَدَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَبَيْعٌ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ بَيْعٌ بِشَرْطِهِ مُعَلَّقًا، وَوَجْهُ الْمَنْعِ تَضَمُّنُ التَّعْلِيقِ التَّبْقِيَةَ، وَمَا ‏(‏لَا‏)‏ يُنْتَفَعُ بِهِ ‏(‏كَكُمَّثْرَى‏)‏ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، وَبِالْمُثَلَّثَةِ، الْوَاحِدَةُ كُمَّثْرَاةٌ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَعْلُومَ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ بَاعَ عَلَى شَجَرَةٍ مَقْطُوعَةٍ لَمْ يَجِبْ شَرْطُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى عَلَيْهَا فَيَصِيرُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو، وَلَا يُغْنِي اعْتِيَادُ الْقَطْعِ عَنْ شَرْطِهِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِإِبْقَائِهِ جَازَ، وَلَوْ أَبْقَاهَا مُدَّةً ثُمَّ قَطَعَهَا لَزِمَتْهُ أُجْرَتُهَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ طَالَبَهُ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَالشَّجَرَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الثَّمَرَةِ بِدُونِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى نَحْوَ سَمْنٍ وَقَبَضَهُ فِي ظَرْفِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّسْلِيمِ فِي غَيْرِهِ ‏(‏وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي‏)‏ وَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ كَأَنْ وَهَبَ الثَّمَرَةَ لِإِنْسَانٍ أَوْ بَاعَهَا لَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَوْ أَوْصَى بِهَا لِإِنْسَانٍ فَبَاعَهَا لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ ‏(‏جَازَ‏)‏ بَيْعُ الثَّمَرَةِ لَهُ ‏(‏بِلَا شَرْطٍ‏)‏ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا، وَصُحِّحَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ، وَلَيْسَ فِي الرَّافِعِيِّ هُنَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ، وَنَقَلَا هُنَا عَنْ الْجُمْهُورِ تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ لِعُمُومِ النَّهْيِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ ‏(‏قُلْت‏:‏ فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنَا الْقَطْعَ‏)‏ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ ‏(‏لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْلِيفِهِ قَطْعَ ثَمَرِهِ عَنْ شَجَرِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَيَصِيرُ كُلُّ الثَّمَرِ لَهُ وَكُلُّ الشَّجَرِ لِلْآخَرِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ جَمِيعِ الثَّمَرِ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِذَلِكَ قَطْعَ مَا اشْتَرَاهُ وَتَفْرِيغَ الشَّجَرِ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَرِ بِغَيْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لِتَكْلِيفِ الْمُشْتَرِي قَطْعَ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ الْمُسْتَقَرِّ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ ‏(‏وَإِنْ بِيعَ‏)‏ الثَّمَرُ ‏(‏مَعَ الشَّجَرِ‏)‏ وَلَمْ يُفْصَلْ الثَّمَنُ ‏(‏جَازَ بِلَا شَرْطٍ‏)‏ لِقَطْعِهِ، لِأَنَّ الثَّمَرَةَ هُنَا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ حَجْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا فَصَلَ الثَّمَنَ‏:‏ كَأَنْ قَالَ بِعْتُك الشَّجَرَةَ بِدِينَارٍ وَالثَّمَرَةَ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لَمْ يَجِبْ شَرْطُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدَامَةٌ لِمِلْكِهَا فَلَهُ الْإِبْقَاءِ إلَى أَوَانِ الْجِدَادِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ جَازَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ أَحَدُ نَصَّيْنِ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يَطَّلِعْ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا النَّصِّ، فَزَعَمَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافَهُ، وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ مُشَاعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ إنْ قُلْنَا لِلْقِسْمَةِ إفْرَازٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ قَطْعِ النِّصْفِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ‏.‏ فَإِنْ قُلْنَا‏:‏ إنَّهَا بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ إلَّا بِقَطْعِ الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِ غَيْرِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ إذَا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ سَيْفٍ، وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَشْرُطْ الْقَطْعَ، فَإِنْ شَرَطَهُ فَفِيهِ مَا تَقَرَّرَ‏.‏ وَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الثَّمَرِ مَعَ الشَّجَرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَيَكُونُ الثَّمَرُ تَابِعًا‏.‏

المتن‏:‏

وَيَحْرُمُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ، فَإِنْ بَيْعَ مَعَهَا أَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ جَازَ بِلَا شَرْطٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ وَلَا يَصِحُّ ‏(‏بَيْعُ الزَّرْعِ‏)‏ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِشَجَرِ ‏(‏الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ‏)‏ إذَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، وَلَوْ كَانَ بَقْلًا وَكَانَ الْبَقْلُ يُجَزُّ مِرَارًا ‏(‏إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ‏)‏ كَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ أَوْ قَلْعِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِشَرْطِ إبْقَائِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ ‏(‏فَإِنْ بِيعَ‏)‏ الزَّرْعُ الْمَذْكُورُ ‏(‏مَعَهَا‏)‏ أَيْ الْأَرْضِ ‏(‏أَوْ‏)‏ وَحْدَهُ ‏(‏بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ‏)‏ أَوْ بُدُوِّ صَلَاحِ الْبُقُولِ ‏(‏جَازَ بِلَا شَرْطٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَبَيْعِ الثَّمَرِ مَعَ الشَّجَرِ‏.‏ وَالثَّانِي كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُمْ قَدْ يُوهِمُ اعْتِبَارَ اشْتِدَادِ جَمِيعِ الْحَبِّ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّ بَعْضُ السَّنَابِلِ كَانَ كَبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ الثِّمَارِ، وَقَدْ اكْتَفَوْا فِي التَّأْبِيرِ بِطَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِحَبَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِاشْتِدَادِ سُنْبُلَةٍ وَاحِدَةٍ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَفِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ شَيْءٌ‏.‏

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَإِنْ بِيعَ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَهُ أُصُولَهُ فَكَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ عَلَى مَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وُجُوبَ شَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَرُّضِ أَصْلِهِ لِلْعَاهَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُمَا مَعَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّجَرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ، وَجَزَمَ الْحَاوِي بِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ إنَّهُ الْمَنْقُولُ وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ تَفَقُّهِهِ ا هـ، فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَوْ لِبَعْضِهِ دُونَ أُصُولِهِ أَوْ بَاعَ أُصُولَهُ دُونَهُ وَغَلَبَ اخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِدُونِ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَعَذُّرِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ، فَإِنْ أُمِنَ الِاخْتِلَاطُ جَازَ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ كَذَلِكَ بِأَنْ نَدَرَ أَوْ اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ‏:‏ كَتِينٍ وَعِنَبٍ وَشَعِيرٍ، وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا بَأْسَ بِكِمَامٍ لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ، وَمَا لَهُ كِمَامَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا فَلَا يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَعْلَى، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ إنْ كَانَ رَطْبًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ‏)‏ أَيْ الزَّرْعِ ‏(‏وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ‏)‏ مِنْ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعَ غَائِبٍ ‏(‏كَتِينٍ وَعِنَبٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا كِمَامَ لَهُ ‏(‏وَشَعِيرٍ‏)‏ لِظُهُورِهِ فِي سُنْبُلِهِ ‏(‏وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ‏)‏ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَالسِّمْسِمِ ‏(‏فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ‏)‏ لِاسْتِتَارِهِ ‏(‏وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ كَالْحِنْطَةِ فِي تِبْنِهَا بَعْدَ الدِّيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا، وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏{‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ‏}‏ أَيْ يَشْتَدَّ فَيَجُوزَ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ حَبٍّ وَحَبٍّ‏.‏ وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَالْأُرْزُ كَالشَّعِيرِ، وَقِيلَ كَالْحِنْطَةِ، وَالذُّرَةُ نَوْعَانِ‏:‏ بَارِزُ الْحَبَّاتِ كَالشَّعِيرِ، وَفِي كِمَامٍ كَالْحِنْطَةِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِهِمَا كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِ مَقْصُودِهَا وَعَدَّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ السِّلْقَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ مَغِيبًا فِي الْأَرْضِ‏.‏ أَمَّا مَا يَظْهَرُ مَقْصُودُهُ عَلَى وَجْهِهَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَكْثَرِ بِلَادِ مِصْرَ وَالشَّامِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْبَقْلِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ وَرَقِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالْبُقُولِ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِكِمَامٍ‏)‏ وَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ وِعَاءُ الطَّلْعِ وَغَيْرِهِ ‏(‏لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ‏)‏ كَالرُّمَّانِ وَالْعَلْسِ وَالْمَوْزِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْأُرْزِ فِي سُنْبُلِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الْعَلْسِ وَالْأُرْزِ عَدَمُ صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ الْأَوْصَافَ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْقِشْرِ خِفَّةً وَرَزَانَةً؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنَّفِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْأُرْزِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَقْشُورِ ‏(‏وَمَا لَهُ كِمَامَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا‏)‏ وَهِيَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَقْصُورًا‏:‏ الْفُولُ ‏(‏يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ‏)‏؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَعْلَى‏)‏ لَا عَلَى الشَّجَرِ وَلَا عَلَى الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ‏.‏ نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَسْفَلَ كَبَاطِنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمَصُّ مَعَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ كَالرُّمَّانِ؛ وَلِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَعْلَى لَا يَسْتُرُ جَمِيعَهُ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ بِبَغْدَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الْبَاقِلَّا الرَّطْبَ‏.‏ رُدَّ بِأَنَّ هَذَا نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَنَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ، وَبِأَنَّ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ تَوَقُّفًا؛ لِأَنَّ الرَّبِيعَ إنَّمَا صَحِبَ الشَّافِعِيَّ بِمِصْرَ لَا بِبَغْدَادَ لَكِنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ كَثِيرُونَ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ إنْ كَانَ رَطْبًا‏)‏ لِتَعَلُّقِ الصَّلَاحِ بِهِ حَيْثُ إنَّهُ يَصُونُ الْأَسْفَلَ وَيَحْفَظُ رُطُوبَةَ اللُّبِّ‏.‏ وَاللُّوبِيَا كَالْفُولِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِالرَّطْبِ امْتِنَاعُهُ إذَا جَفَّ قَطْعًا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إذَا لَمْ نُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّوْزِ فِي الْقِشْرِ الْأَعْلَى قَبْلَ انْعِقَادِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالتُّفَّاحِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَاسَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كِمَامَانِ مُعْتَرَضٌ؛ لِأَنَّ الْكِمَامَ جَمْعُ كِمٍّ بِكَسْرِ الْكَافِ وَكِمَامَةٌ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قِشْرَانِ أَوْ كِمَّانِ أَوْ كِمَامَتَانِ بِزِيَادَةِ التَّاءِ، لِأَنَّ مُرَادَهُ فَرْدَانِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكِمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَالْكَتَّانُ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ يَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُغْزَلُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَالسَّاسُ فِي بَاطِنِهِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ لَكِنَّ هَذَا لَا يُمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالنَّوَى ا هـ‏.‏

وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُبَعْ مَعَ بَزْرِهِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَبُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ ظُهُورُ مَبَادِي النُّضْجِ وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ، وَفِي غَيْرِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ، وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَبُدُوُّ صَلَاحِ‏)‏ الْأَشْيَاءِ صَيْرُورَتُهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا غَالِبًا فَفِي ‏(‏الثَّمَرِ ظُهُورُ مَبَادِي النُّضْجِ‏)‏ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا ‏(‏وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ‏)‏ مِنْهُ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَيَلِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَقَالَ الشَّارِحُ‏:‏ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَأَى فِي إسْقَاطِهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ‏.‏ وَفِي تَكْمِلَةِ الصِّحَاحِ لِلصَّغَانِيِّ تَمَوَّهَ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ‏:‏ إذَا امْتَلَأَ مَاءً وَتَهَيَّأَ لِلنُّضْجِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِظُهُورٍ وَبُدُوٍّ ‏(‏وَفِي غَيْرِهِ‏)‏ وَهُوَ مَا يَتَلَوَّنُ‏:‏ أَيْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهِ ‏(‏بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ‏)‏ أَوْ الصُّفْرَةِ كَالْبَلَحِ وَالْعُنَّابِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، وَفِي نَحْوِ الْقِثَّاءِ بِأَنْ يُجْبَى مِثْلُهُ غَالِبًا لِلْأَكْلِ، وَفِي الْحُبُوبِ اشْتِدَادُهَا، وَفِي نَحْوِ وَرَقِ التُّوتِ تَنَاهِيهِ، وَفِي نَحْوِ الْوَرْدِ انْفِتَاحُهُ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ جَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ‏.‏ أَحَدُهَا‏:‏ بِاللَّوْنِ كَصُفْرَةِ الْمِشْمِشِ وَحُمْرَةِ الْعُنَّابِ وَسَوَادِ الْإِجَّاصِ وَبَيَاضِ التُّفَّاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ ثَانِيهَا‏:‏ الطَّعْمُ كَحَلَاوَةِ قَصَبِ السُّكَّرِ وَحُمُوضَةِ الرُّمَّانِ إذَا زَالَتْ الْمَرَارَةُ‏.‏ ثَالِثُهَا‏:‏ النُّضْجُ فِي التِّينِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِمَا‏.‏ وَذَلِكَ بِأَنْ تَلِينَ صَلَابَتُهُ‏.‏ رَابِعُهَا‏:‏ بِالْقُوَّةِ وَالِاشْتِدَادِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ‏.‏ خَامِسُهَا‏:‏ بِالطُّولِ وَالِامْتِلَاءِ كَالْعَلَفِ وَالْبُقُولِ‏.‏ سَادِسُهَا‏:‏ بِالْكِبَرِ كَالْقِثَّاءِ‏.‏ سَابِعُهَا‏:‏ بِانْشِقَاقِ كِمَامِهِ كَالْقُطْنِ وَالْجَوْزِ‏.‏ ثَامِنُهَا‏:‏ بِانْفِتَاحِهِ كَالْوَرْدِ وَوَرَقِ التُّوتِ ‏(‏وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ‏)‏ لِصِحَّةِ بَيْعِ كُلِّهِ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ أَشْجَارٍ مُتَّحِدَةِ الْجِنْسِ وَلَوْ حَبَّةً وَاحِدَةً مِنْ عِنَبٍ أَوْ بُسْرٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا فَجَعَلَ الثِّمَارَ لَا تَطِيبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً إطَالَةً لِزَمَنِ التَّفَكُّهِ‏.‏ فَلَوْ اُشْتُرِطَ فِي الْمَبِيعِ طِيبُ جَمِيعِهِ لَأَدَّى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ قَدْ يَتْلَفُ أَوْ تُبَاعَ الْحَبَّةُ بَعْدَ الْحَبَّةِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَرَجٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي الْآخَرِ‏.‏

وَأَمَّا النَّوْعُ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ كَالْبَرْنِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ فِي التَّأْبِيرِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَضُرُّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ أَوْ بَسَاتِينَ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّأْبِيرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ أَوْ بُسْتَانَيْنِ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ‏)‏ وَاتَّحَدَ جِنْسُهُ ‏(‏فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّأْبِيرِ‏)‏ فَيُتْبَعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الْبُسْتَانِ أَوْ كُلٍّ مِنْ الْبَسَاتِينِ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَتْبَعُ جِنْسٌ غَيْرَهُ، وَلَوْ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا تَبَعِيَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي ثَمَرِ الْآخَرِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ لَزِمَهُ سَقْيُهُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا، وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيه بَعْدَهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ‏)‏ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ وَأَبْقَى ‏(‏لَزِمَهُ سَقْيُهُ‏)‏ إنْ كَانَ مِمَّا يُسْقَى ‏(‏قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا‏)‏ قَدْرَ مَا يَنْمُو بِهِ وَيَسْلَمُ مِنْ التَّلَفِ وَالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَاهُ فَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّقْيُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، وَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ سَقْيٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَوْ كَبُرَتْ وَكَانَ لَا يَتَأَتَّى قَطْعُهَا إلَّا فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى السَّقْيِ أَنَّا نُكَلِّفُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَسْتَمِرُّ اللُّزُومُ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ ‏(‏وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيه‏)‏ أَيْ الثَّمَنِ ‏(‏بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ التَّخْلِيَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، هَذَا إنْ اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ‏.‏ أَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَبْضِ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ هُنَاكَ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ قَبْضِهَا عَلَى النَّقْلِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا كَبَرْدٍ فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ التَّخْلِيَةِ مِنْ الْآفَاتِ السَّمَاوِيَّةِ ‏(‏كَبَرْدٍ‏)‏ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ أَوْ حَرٍّ أَوْ جَرَادٍ أَوْ حَرِيقٍ ‏(‏فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي‏)‏؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ كَافِيَةٌ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ، فَكَانَتْ كَافِيَةً فِي جَوَازِ نَقْلِ الضَّمَانِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ، وَالْقَدِيمُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ‏}‏‏.‏ وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَمْثِيلُهُ بِالْبَرَدِ يُفْهِمُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْمُهْلِكُ سَمَاوِيًّا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا لِإِمْكَانِ الْحِفْظِ مِنْهُ وَالتَّغْرِيمِ، وَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمَحَلُّهُمَا أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ تَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ، وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ دُونَ الشَّجَرَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا، وَمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الشَّجَرِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ ضَمَانِهِ قَطْعًا لِانْقِطَاعِ الْعَلَائِقِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ عَرَضَ الْمُهْلِكُ بَعْدَ إمْكَانِ الْجُذَاذِ فَكَذَا فِي أَشْبَهِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِالْجَائِحَةِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْجَدِيدِ‏.‏ أَمَّا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَنَظَائِرِهِ‏.‏

المتن‏:‏

فَلَوْ تَعَيَّبَ بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ بِيعَ قَبْلَ صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَلَوْ تَعَيَّبَ‏)‏ الثَّمَرُ الْمَبِيعُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الشَّجَرَةِ ‏(‏بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ، فَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُشْتَرِي ‏(‏الْخِيَارُ‏)‏ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَ الْبَائِعَ التَّنْمِيَةَ بِالسَّقْيِ وَالتَّعْيِيبُ بِتَرْكِهِ كَالتَّعْيِيبِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ بِذَلِكَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَيْضًا، هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ السَّقْيُ وَإِلَّا بِأَنْ غَارَتْ الْعَيْنُ أَوْ انْقَطَعَ النَّهْرُ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ، وَلَا يُكَلَّفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْصِيلَ مَاءٍ آخَرَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ، وَكَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ فِي السِّلْسِلَةِ، فَإِنْ آلَ التَّعْيِيبُ إلَى التَّلَفِ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ بِهِ وَلَمْ يَفْسَخْ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ الْبَائِعُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ‏(‏وَلَوْ بِيعَ‏)‏ ثَمَرٌ ‏(‏قَبْلَ‏)‏ بُدُوِّ ‏(‏صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ‏)‏ بِجَائِحَةٍ ‏(‏فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي‏)‏ مِمَّا لَمْ يَشْرُطْ قَطْعَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْقَطْعِ الْمَشْرُوطِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَزِيدَةٌ عَلَى الرَّوْضَةِ مَذْكُورَةٌ فِي أَصْلِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ فِيمَا قَبْلَ الصَّلَاحِ وَكَذَا فِي الشَّرْحَيْنِ، وَفَرَضَ فِي الرَّوْضَةِ فِيمَا بَعْدَ بُدُوِّهِ، وَحُكْمُهَا عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَاحِدٌ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّقْيِيدِ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِيَشْمَلَ الْحَالَيْنِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ بِيعَ ثَمَّ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ وَقِثَّاءٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ ثَمَرِهِ، وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ بِيعَ‏)‏ ثَمَرٌ أَوْ زَرْعٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَلَوْ لِبَعْضِهِ ‏(‏يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ‏)‏ وَبِطِّيخٍ ‏(‏وَقِثَّاءٍ لَمْ يَصِحَّ‏)‏ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ ثَمَرِهِ‏)‏ أَوْ زَرْعِهِ خَوْفًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ، فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ، وَاحْتَرَزَ‏:‏ بِيَغْلِبُ عَمَّا إذَا نَدَرَ الِاخْتِلَاطُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ عَدَمَ الِاخْتِلَاطِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ الْحَالُ، وَلَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالنَّادِرِ ‏(‏وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ‏)‏ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فِيمَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّلَاحُقُ وَالِاخْتِلَاطُ، أَوْ ‏(‏فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ‏)‏ لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَتَسْلِيمُهُ مُمْكِنٌ بِالطَّرِيقِ الْآتِي ‏(‏بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي‏)‏ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ عَيْبٌ حَدَثَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَنْفَسِخُ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَنُقِلَ هَذَا عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ، وَيَمْلِكُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي بِالْإِعْرَاضِ كَمَا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ السَّنَابِلِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ النَّعْلَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا فَلِمَ لَا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ عَوْدَ النَّعْلِ إلَى الْمُشْتَرِي مُتَوَقَّعٌ، وَلَا سَبِيلَ هُنَا إلَى تَمْيِيزِ حَقِّ الْمُشْتَرِي‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَسْقُطُ لِمَا فِي قَبُولِهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَوَّلًا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْفَسْخِ، فَإِنْ بَادَرَ الْبَائِعُ أَوَّلًا فَسَامَحَ سَقَطَ خِيَارُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ خَيَّرُوا الْبَائِعَ أَوَّلًا، فَإِنْ سَمَحَ بِحَقِّهِ أَقَرَّ الْعَقْدَ وَإِلَّا فُسِخَ‏.‏ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَتَعْلِيلُهُ أَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ نُقِلَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْفَاسِخَ هُوَ الْحَاكِمُ، وَخَرَجَ بِقَبْلِ التَّخْلِيَةِ الَّتِي قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَهَا فَلَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَلْ إنْ تَوَافَقَا عَلَى قَدْرٍ فَذَاكَ وَإِلَّا صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ حَقِّ الْآخَرِ، وَهَلْ الْيَدُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا فِيهِ أَوْجُهٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَ الثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُمَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِ الْبَائِعِ ثَمَرَتَهُ، فَإِنْ شَرَطَ فَلَمْ يَقْطَعْ أَوْ كَانَتْ مِمَّا قُدِّرَ تَلَاحُقُهَا وَجَرَى الِاخْتِلَاطُ كَمَا سَبَقَ فِي ثِمَارِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفَسِخْ، بَلْ مَنْ سَمَحَ بِحَقِّهِ لِصَاحِبِهِ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْعَقْدُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَ جِزَّةً مِنْ الْقَتِّ مَثَلًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى طَالَتْ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ جَرَى الْقَوْلَانِ وَيَجْرِيَانِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فَانْصَبَّ عَلَيْهَا مِثْلُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا فِي الْمَائِعَاتِ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الثَّوْبُ بِأَمْثَالِهِ أَوْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ بِأَمْثَالِهَا فَالصَّحِيحُ الِانْفِسَاخُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الِاشْتِبَاهَ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءً، وَفِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ غَايَةُ مَا يَلْزَمُ الْإِشَاعَةُ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ، وَلَا الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ‏)‏ مِنْ التِّبْنِ ‏(‏وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ، وَلَا‏)‏ بَيْعُ ‏(‏الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ‏)‏ لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ‏:‏ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِمِائَةٍ فَرَقٍ مِنْ التَّمْرِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ كَانَ هَذَا التَّفْسِيرُ مَرْفُوعًا فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّاوِي فَهُوَ أَعْرَفُ بِتَفْسِيرِ مَا رَوَاهُ، وَلِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمُحَاقَلَةِ مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ؛ وَلِأَنَّهُ حِنْطَةٌ وَتِبْنٌ بِحِنْطَةٍ فَبَطَلَ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، فَلَوْ بَاعَ شَعِيرًا فِي سُنْبُلِهِ بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَرْئِيٌّ وَالْمُمَاثَلَةُ بِشَرْطٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، أَوْ بَاعَ زَرْعًا قَبْلَ ظُهُورِ الْحَبِّ بِحَبٍّ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَشِيشَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ‏.‏ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ رِبَوِيًّا اُعْتِيدَ أَكْلُهُ كَالْحُلْبَةِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِحَبِّهِ، وَبِهِ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُحَاقَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقْلِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ جَمْعُ حَقْلَةٍ، وَهِيَ السَّاحَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي لَا بِنَاءَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَعَلُّقِهَا بِزَرْعٍ فِي حَقْلِهِ، وَالْمُزَابَنَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّبْنِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْبَاءِ، وَهُوَ الدَّفْعُ لِكَثْرَةِ الْغَبْنِ فِيهَا فَيُرِيدُ الْمَغْبُونُ دَفْعَهُ وَالْغَابِنُ إمْضَاءَهُ فَيَتَدَافَعَانِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فَائِدَةٌ ذِكْرُ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ تَسْمِيَتُهَا بِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَا مِمَّا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُرَخَّصُ فِي الْعَرَايَا، وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَلَوْ زَادَ فِي صَفْقَتَيْنِ جَازَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُرَخَّصُ فِي‏)‏ بَيْعِ ‏(‏الْعَرَايَا‏)‏ جَمْعُ عَرِيَّةٍ، وَهِيَ مَا يُفْرِدُهَا مَالِكُهَا لِلْأَكْلِ؛ لِأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْمِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ ‏(‏وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ‏)‏ خَرْصًا ‏(‏بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ‏)‏ كَيْلًا ‏(‏أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ‏)‏ خَرْصًا ‏(‏بِزَبِيبٍ‏)‏ فِي الْأَرْضِ كَيْلًا، هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ‏:‏ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بِالتَّمْرِ‏}‏ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ‏{‏وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا‏}‏ وَقِيسَ بِهِ الْعِنَبُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا زَكَوِيٌّ يُمْكِنُ خَرْصُهُ وَيُدَّخَرُ يَابِسُهُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعًا عَلَى الشَّجَرِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الرِّبَا، وَكَالرُّطَبِ الْبُسْرُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إلَى الرُّطَبِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ‏.‏ قِيلَ وَمِثْلُهُ الْحِصْرِمُ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ بِهِ صَلَاحُ الْعِنَبِ وَبِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ كِبَرُهُ بِخِلَافِ الْبُسْرِ فِيهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْجَوَازِ فِي الْعَرَايَا مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالثَّمَرِ زَكَاةٌ كَأَنْ خُرِصَتْ عَلَيْهِ وَضَمِنَ أَوْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ أَوْ لِنَقْصِهَا عَنْ النِّصَابِ أَوْ لِكُفْرِ صَاحِبِهَا، وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ ‏(‏فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ‏)‏ تَحْدِيدًا بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ، لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ‏}‏ شَكَّ دَاوُد بْنُ حُصَيْنٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ، فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالْأَقَلِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، وَيَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَحَيْثُ زَادَ عَلَى مَا دُونَهَا يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي فَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالزِّيَادَةِ رِبًا فَبَطَلَ جَمِيعُهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي النَّقْصِ عَنْ الْخَمْسَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ حَتَّى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ يَكْفِي نَقْصُ رُبُعِ مُدٍّ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى تَفَاوُتِ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، فَإِنَّ رُبُعَ الْمُدِّ وَالْمُدَّ يَقَعُ التَّفَاوُتُ بِهِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ غَالِبًا لَا سِيَّمَا فِي الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسَةِ أَوْ مَا دُونَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ الْجَافِّ وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ الْآنَ أَكْثَرَ، فَإِنْ تَلِفَ الرُّطَبُ أَوْ الْعِنَبُ فَذَاكَ، وَإِنْ جُفِّفَ وَظَهَرَ تَفَاوُتٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ ‏(‏وَلَوْ زَادَ‏)‏ عَلَى مَا دُونَهَا ‏(‏فِي صَفْقَتَيْنِ‏)‏ كُلٌّ مِنْهُمَا دُونَهَا ‏(‏جَازَ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى الصَّفْقَةِ الْأُولَى، وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا نَظَرُوا هُنَا إلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ حَيْثُ قَطَعُوا فِيهِ بِالتَّعَدُّدِ دُونَ جَانِبِ الْبَائِعِ عَكْسَ مَا قَالُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالتَّمْرُ تَابِعٌ، فَلَوْ بَاعَ رَجُلَانِ مَثَلًا لِرَجُلَيْنِ صَفْقَةً جَازَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ لَا فِيمَا فَوْقَهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِيمَا دُونَ عَشَرَةٍ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَرَّعَهُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ كَيْلًا، وَالتَّخْلِيَةُ فِي النَّخْلِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ‏)‏ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا ‏(‏التَّقَابُضُ‏)‏ فِي الْمَجْلِسِ ‏(‏بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ‏)‏ أَوْ الزَّبِيبِ إلَى الْبَائِعِ ‏(‏كَيْلًا وَالتَّخْلِيَةُ فِي‏)‏ رُطَبِ ‏(‏النَّخْلِ‏)‏ أَوْ عِنَبِ الْكَرْمِ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ بِمَطْعُومٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ‏:‏ بِتَسْلِيمِ الْجَافِّ كَيْلًا وَالتَّخْلِيَةُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ كَانَ أَوْلَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ‏)‏ بَيْعُ مِثْلِ الْعَرَايَا ‏(‏فِي سَائِرِ الثِّمَارِ‏)‏ أَيْ بَاقِيهَا كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَاللَّوْزِ مِمَّا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ؛ لِأَنَّهَا مُتَفَرِّقَةٌ مَسْتُورَةٌ بِالْأَوْرَاقِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخَرْصُ فِيهَا‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَجُوزُ كَمَا جَازَ فِي الْعِنَبِ بِالْقِيَاسِ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَظْهَرُ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ بَيْعَ الْعَرَايَا ‏(‏لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ‏)‏ بَلْ يَجْرِي فِي الْأَغْنِيَاءِ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ فِيهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَخْتَصُّ بِهِمْ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ‏{‏أَنَّ رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ وَعِنْدَهُمْ فَضْلُ قُوتِهِمْ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ‏}‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهَذِهِ حِكْمَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ، ثُمَّ قَدْ يَعُمُّ الْحُكْمُ كَمَا فِي الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي‏.‏ أَمَّا حَاجَةُ الْبَائِعِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَطْعًا‏.‏

وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ تُعْتَبَرُ حَاجَةُ الْبَائِعِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

قَالَ الْجُرْجَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي‏:‏ ضَابِطُ الْغَنِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ عِنْدَهُ نَقْدٌ، فَمَنْ لَا نَقْدَ عِنْدَهُ فَقِيرٌ وَإِنْ مَلَكَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَرِيَّةَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا جَازَ‏.‏

وَقَالَ أَحْمَدُ‏:‏ يَبْطُلُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا أَهْلُهَا رُطَبًا‏.‏

بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

المتن‏:‏

إذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ كَقَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ صِفَتِهِ أَوْ الْأَجَلِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ ‏(‏إذَا اتَّفَقَا‏)‏ أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ ‏(‏عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ كَقَدْرِ الثَّمَنِ‏)‏ وَمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ أَكْثَرَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ، كَأَنْ يَدَّعِيَ عَشَرَةً وَالْمُشْتَرِي تِسْعَةً ‏(‏أَوْ صِفَتِهِ‏)‏ كَأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِصِحَاحٍ وَالْمُشْتَرِي بِمُكَسَّرَةٍ أَوْ جِنْسِهِ‏:‏ كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِذَهَبٍ وَالْمُشْتَرِي بِفِضَّةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏أَوْ الْأَجَلِ‏)‏ بِأَنْ أَثْبَتَهُ الْمُشْتَرِي وَنَفَاهُ الْبَائِعُ ‏(‏أَوْ قَدْرَهُ‏)‏ كَشَهْرٍ وَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ، أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ بِشَرْطِ رَهْنٍ، أَوْ كَفِيلٍ فَيُنْكِرُ الْمُشْتَرِي ‏(‏أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ‏)‏ كَقَوْلِ الْبَائِعِ‏:‏ بِعْتُك صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي‏:‏ بَلْ صَاعَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَبِيعِ كَاتِبًا مَثَلًا ‏(‏وَلَا بَيِّنَةَ‏)‏ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا بِأَنْ لَمْ يُؤَرِّخَا بِتَارِيخَيْنِ ‏(‏تَحَالَفَا‏)‏ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ ‏{‏الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ مُدَّعٍ وَتَخْصِيصُهُ الْبَيْعَ بِالذِّكْرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى الْقِرَاضِ وَالْجَعَالَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ طَرْدًا لِلْمَعْنَى، وَلَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى الْفَسْخِ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِلَا تَحَالُفٍ، وَلَا لِعَدَمِ رُجُوعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى عَيْنِ حَقِّهِ فِي الثَّالِثَ‏.‏ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ‏.‏ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْأَصْحَابُ بِالتَّحَالُفِ فِي الْكِتَابَةِ مَعَ جَوَازِهَا مِنْ جَانِبِ الرَّقِيقِ، وَمَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي قَوْلِهِ بِعَدَمِ التَّحَالُفِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بِإِمْكَانِ الْفَسْخِ فِي زَمَنِهِ‏.‏ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّحَالُفَ لَمْ يُوضَعْ لِلْفَسْخِ بَلْ عَرَضَتْ الْيَمِينُ رَجَاءَ أَنْ يَنْكُلَ الْكَاذِبُ فَيَتَقَرَّرَ الْعَقْدُ بِيَمِينِ الصَّادِقِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَاتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الصِّحَّةِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا فِي عَقْدٍ، وَلَكِنْ اخْتَلَفَا هَلْ ذَلِكَ الْعَقْدُ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ فَلَا تَحَالُفَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الصِّحَّةِ وُجُودُهَا، فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا‏:‏ لَوْ قَالَ‏:‏ بِعْتُك بِأَلْفٍ، فَقَالَ‏:‏ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِقِّ خَمْرٍ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى نَفْيِ سَبَبِ الْفَسَادِ ثُمَّ يَتَحَالَفَانِ، وَبِقَوْلِهِ‏:‏ وَلَا بَيِّنَةَ‏:‏ أَيْ أَوْ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ كَمَا مَرَّ عَمَّا إذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ مَالِكَيْنِ أَوْ وَكِيلَيْنِ أَوْ مَالِكًا وَوَكِيلًا، وَفِي تَحَالُفِ الْوَكِيلَيْنِ وَجْهَانِ‏:‏ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا التَّحَالُفَ، وَفَائِدَتُهُ الْفَسْخُ أَوْ أَنْ يَنْكُلَ أَحَدُهُمَا فَيَحْلِفَ الْآخَرُ وَيَقْضِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ يَحْلِفُ فِيهَا الْوَكِيلُ عَلَى الْأَصَحِّ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ بِيَمِينِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْحَالُ بَعْدَ التَّحَالُفِ إلَى الْفَسْخِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ التَّحَالُفِ مَسَائِلُ‏:‏ مِنْهَا مَا لَوْ تَقَايَلَا فِي الْعَقْدِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ، بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ‏.‏، وَمِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعًا، كَأَنْ يَقُولَ‏:‏ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَيَقُولُ‏:‏ بَلْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَلَا تَحَالُفَ جَزْمًا إذَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى شَيْءٍ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى بَيْعٍ صَحِيحٍ وَاخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ، بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ عَلَى الْأَصْلِ‏.‏، وَمِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَفَ وَلِيُّ مَحْجُورٍ مَعَ مُسْتَقِلٍّ وَكَانَ الْمَبِيعُ تَالِفًا وَكَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي يَرْجِعُ إلَيْهَا عِنْدَ الْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ أَكْثَرَ مِنْ الشَّيْءَ الَّذِي سَمَّاهُ فَإِنَّهُ لَا تَحَالُفَ وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْفَسْخُ رَجَعَ الْحَالُ إلَى غُرْمِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا ذُكِرَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الصَّدَاقِ‏.‏ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ فَقَطْ وَاتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ تَحَالَفَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا تَرْجِيحَهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ مِنْ عَدَمِ التَّحَالُفِ‏.‏ وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَبِيعَ هَذَا الْعَبْدُ، وَالْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْجَارِيَةُ وَلَمْ تُؤَرَّخْ الْبَيِّنَتَانِ سُلِّمَتْ لِلْمُشْتَرِي وَيُقَرُّ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ وَإِلَّا فَيُتْرَكُ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يَدَّعِيَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهِ، فَإِنْ أُرِّخَتَا قَضَى بِمُقَدَّمَةِ التَّارِيخِ، وَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ، وَإِذَا أَخَذَهُ الْقَاضِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ إنْ كَانَ كَسُوبًا وَإِلَّا بَاعَهُ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهِ وَحُفِظَ ثَمَنُهُ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ‏.‏

المتن‏:‏

فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ، وَيَبْدَأُ بِالْبَائِعِ وَفِي قَوْلٍ بِالْمُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ يَتَسَاوَيَانِ فَيَتَخَيَّرُ الْحَاكِمُ، وَقِيلَ يُقْرَعُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ يَمِينٌ تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَيُقَدَّمُ النَّفْيُ فَيَقُولُ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا، وَإِذَا تَحَالَفَا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ، بَلْ إنْ تَرَاضَيَا وَإِلَّا فَيَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ وَقِيلَ إنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ مَاتَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَهِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَإِذَا وَقَعَ التَّحَالُفُ ‏(‏فَيَحْلِفُ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ‏)‏ لِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ‏:‏ مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، فَيَنْفِي مَا يُنْكِرُهُ وَيَثْبُتُ مَا يَدَّعِيهِ‏.‏ نَعَمْ إنَّمَا يَحْلِفُ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَيُنْكِرُ كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ ‏(‏وَيَبْدَأُ‏)‏ فِي الْيَمِينِ ‏(‏بِالْبَائِعِ‏)‏ نَدْبًا لِحُصُولِ الْغَرَضِ مَعَ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا، وَقِيلَ وُجُوبًا وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَإِنَّمَا بُدِئَ بِهِ، لِأَنَّ جَانِبَهُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدَ الْفَسْخِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى التَّحَالُفِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَى الثَّمَنِ قَدْ تَمَّ بِالْعَقْدِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ‏)‏ يَبْدَأُ ‏(‏بِالْمُشْتَرِي‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ثَمَنٍ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي مِلْكِهِ فَيَقْوَى جَانِبُهُ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ يَتَسَاوَيَانِ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَا تَرْجِيحَ وَعَلَى هَذَا ‏(‏فَيَتَخَيَّرُ الْحَاكِمُ‏)‏ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ مِنْهُمَا ‏(‏وَقِيلَ يُقْرَعُ‏)‏ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ حَضَرَا مَعًا لِلدَّعْوَى فَيَبْدَأُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَتَقْدِيمُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا بَاعَ عَرْضًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَّجِهُ إلَّا التَّسْوِيَةَ، وَالزَّوْجُ فِي الصَّدَاقِ كَالْبَائِعِ فَيَبْدَأُ بِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِبَقَاءِ التَّمَتُّعِ لَهُ كَمَا قَوِيَ جَانِبُ الْبَائِعِ بِعَوْدِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ يَظْهَرُ فِي الصَّدَاقِ لَا فِي الْبُضْعِ وَهُوَ بَاذِلُهُ فَكَانَ كَبَائِعِهِ ‏(‏وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏يَمِينٌ تَجْمَعُ نَفْيًا‏)‏ لِقَوْلِ صَاحِبِهِ ‏(‏وَإِثْبَاتًا‏)‏ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَاحِدَةٌ وَمَنْفِيَّ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي ضِمْنِ مُثْبِتِهِ فَجَازَ التَّعَرُّضُ فِي الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ؛ وَلِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُفْرِدُ النَّفْيَ بِيَمِينٍ وَالْإِثْبَاتَ بِأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ أَوْلَى كَمَا فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَنْصُوصٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ وَيَكْفِي فِيهِ إشْعَارٌ بِجَوَازِ الْعُدُولِ إلَى الْيَمِينِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافَهُ ‏(‏وَيُقَدَّمُ‏)‏ فِي الْيَمِينِ ‏(‏النَّفْيُ‏)‏ نَدْبًا لَا وُجُوبًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏فَيَقُولُ‏)‏ الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَثَلًا‏:‏ وَاَللَّهِ ‏(‏مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا‏)‏ وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي‏:‏ وَاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، وَلَقَدْ اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ‏.‏

وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ‏:‏ يَقُولُ الْبَائِعُ‏:‏ مَا بِعْتُ إلَّا بِكَذَا، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي‏:‏ مَا اشْتَرَيْتُ إلَّا بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَيَلْزَمُهُ الِاكْتِفَاءُ أَيْضًا بِإِنَّمَا بِعْتُ بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَكْتَفُونَ فِي ذَلِكَ بِالتَّصْرِيحِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى صِيغَةِ حَصْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي الْبَائِعِ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَإِنَّمَا بِعْتُ بِكَذَا، وَفِي الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى الْحَصْرِ بَعْدَ النَّفْيِ ‏(‏وَإِذَا تَحَالَفَا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ‏)‏ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً لَمْ يَنْفَسِخْ فَبِالتَّحَالُفِ أَوْلَى ‏(‏بَلْ إنْ تَرَاضَيَا‏)‏ عَلَى مَا قَالَهُ أَحَدُهُمَا أُقِرَّ الْعَقْدُ‏.‏ قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ وَإِنْ سَمَحَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِمَا ادَّعَاهُ أُجْبِرَ الْآخَرُ وَإِنْ أَعْرَضَا عَنْ الْخُصُومَةِ أَعْرَضَ عَنْهُمَا كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْقَاضِي، وَيُفْهِمُهُ كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَإِنْ فَهِمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْهُ خِلَافَهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ اسْتَمَرَّ نِزَاعُهُمَا ‏(‏فَيَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ‏(‏أَوْ الْحَاكِمُ‏)‏ لِقَطْعِ النِّزَاعِ وَحَقُّ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَالُفِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَوْ لَمْ يَفْسَخَا فِي الْحَالِ كَانَ لَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْمَطْلَبِ لِبَقَاءِ الضَّرَرِ الْمُحْوِجِ لِلْفَسْخِ ‏(‏وَقِيلَ إنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ‏)‏ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَفْسَخُ أَحَدُهُمَا وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّحَالُفُ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَلَوْ تَحَالَفَا بِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَكُنْ لِأَيْمَانِهِمَا تَأْثِيرٌ فِي فَسْخٍ وَلَا لُزُومٍ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِذَا فَسَخَا انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَالْإِقَالَةِ، وَكَذَا إنْ فَسَخَ الْقَاضِي أَوْ الصَّادِقُ مِنْهُمَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِمَا إلَى حَقِّهِمَا كَمَا فِي الْفَسْخِ بِالْإِفْلَاسِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ، وَإِنْ فَسَخَ الْكَاذِبُ لَمْ يَنْفَسِخْ بَاطِنًا لِتَرَتُّبِهِ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ، وَطَرِيقُ الصَّادِقِ إنْشَاءُ الْفَسْخِ إنْ أَرَادَ الْمِلْكَ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَإِنْ أَنْشَأَ الْفَسْخَ أَيْضًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَقَدْ ظَفِرَ بِمَالِ مَنْ ظَلَمَهُ فَيَتَمَلَّكُهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَإِلَّا فَيَبِيعُهُ وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلِلْمُشْتَرِي وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ حَالَ النِّزَاعِ وَقَبْلَ التَّحَالُفِ عَلَى الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَفِي جَوَازِهِ فِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا جَوَازُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ‏.‏ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ الْفَسْخِ ‏(‏عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ‏)‏ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِثَالِثٍ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، وَكَذَا عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الرَّادِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِرَدِّ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَيْنِ كَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَيْهِ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ تَلِفَ شَرْعًا ‏(‏كَأَنْ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ‏)‏ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَأَنْ ‏(‏كَاتَبَهُ أَوْ‏)‏ تَلِفَ حِسًّا كَأَنْ ‏(‏مَاتَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ‏)‏ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَإِنْ زَادَتْ عَلَى ثَمَنِهِ وَمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ خِلَافًا لِمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مِنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي ‏(‏وَهِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ‏)‏ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا ‏(‏فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ‏)‏ إذْ مَوْرِدُ الْفَسْخِ الْعَيْنُ، وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنْهَا فَلْتُعْتَبَرْ عِنْدَ فَوَاتِ أَصْلِهَا وَفَارَقَ اعْتِبَارُهَا بِمَا ذَكَرَ اعْتِبَارَهَا لِمَعْرِفَةِ الْأَرْشِ بِأَقَلَّ قِيمَتَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا ثَمَّ لَا لِيَغْرَمَ بَلْ لِيَعْرِفَ مِنْهَا الْأَرْشَ، وَهُنَا الْقِيمَةُ فَكَانَ اعْتِبَارُ حَالَةِ الْإِتْلَافِ أَلْيَقَ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَالثَّانِي‏:‏ قِيمَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ يَوْمِ دُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ‏.‏ وَالرَّابِعُ‏:‏ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ فَتُعْتَبَرُ أَعْلَى الْقِيَمِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي عِنْدَ بَقَاءِ الْعِوَضِ وَتَلَفِهِ، وَاعْتَرَضَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي بَعْدَ التَّلَفِ‏.‏‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ يَعْتَمِدُ الْمَرْدُودَ، وَالْفَسْخَ يَعْتَمِدُ الْعَقْدَ، وَبِأَنَّ الرَّدَّ يَلْحَقُهُ الْأَرْشُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنَّ تَعَيَّبَ رَدَّهُ مَعَ أَرْشِهِ‏.‏ وَاخْتِلَافُ وَرَثَتِهِمَا كَهُمَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ تَعَيَّبَ رَدَّهُ مَعَ أَرْشِهِ‏)‏ وَهُوَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ فَكَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا بِبَعْضِهَا، وَوَطْءُ الثَّيِّبِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَلَا أَرْشَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَهَنَهُ، فَإِنْ شَاءَ الْبَائِعُ أَخَذَ الْقِيمَةَ أَوْ انْتَظَرَ الْفِكَاكَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ ذَكَرُوا فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَكَانَ الصَّدَاقُ مَرْهُونًا وَقَالَ‏:‏ انْتَظِرْ الْفِكَاكَ لِلرُّجُوعِ فَلَهَا إجْبَارُهُ عَلَى قَبُولِ نِصْفِ الْقِيمَةِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَطَرِ الضَّمَانِ، فَالْقِيَاسُ هُنَا إجْبَارُهُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَدْ حَصَلَ لَهَا كَسْرٌ بِالطَّلَاقِ فَنَاسَبَ جَبْرُهَا بِإِجَابَتِهَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَجَّرَهُ رَجَعَ فِيهِ مُؤَجَّرًا وَلَا يَنْتَزِعُهُ مِنْ يَدِ الْمُكْتَرِي حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ الْمُسَمَّى لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ لِلْبَائِعِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ وَقْتِ الْفَسْخِ إلَى انْقِضَائِهَا ‏(‏وَاخْتِلَافُ وَرَثَتِهِمَا‏)‏ أَوْ وَارِثِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ ‏(‏كَهُمَا‏)‏ أَيْ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ فِي مَالٍ، فَقَامَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ كَالْيَمِينِ فِي دَعْوَى الْمَالِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً، أَوْ بَيْنَ الْمُوَرِّثِينَ ثُمَّ يَمُوتَانِ قَبْلَ التَّحَالُفِ، وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى الْبَتِّ وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي النَّفْيِ، وَيَجُوزُ لِلْوَارِثِ الْحَلِفُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُ مُوَرِّثِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَقَالَ وَهَبْتَنِيهِ فَلَا تَحَالُفَ بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ فَإِذَا حَلَفَ رَدَّهُ مُدَّعِي الْهِبَةِ بِزَوَائِدِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَقَالَ‏:‏ بَلْ وَهَبْتَنِيهِ‏)‏ أَوْ رَهَنْتَنِيهِ ‏(‏فَلَا تَحَالُفَ‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ ‏(‏بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ‏)‏ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى ‏(‏فَإِذَا حَلَفَ رَدَّهُ‏)‏ لُزُومًا ‏(‏مُدَّعِي الْهِبَةِ‏)‏ أَوْ الرَّهْنِ ‏(‏بِزَوَائِدِهِ‏)‏ مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ يَرُدُّ الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى حُدُوثِهَا فِي مِلْكِ الرَّادِّ بِدَعْوَاهُ الْهِبَةَ وَإِقْرَارِ الْبَائِعِ لَهُ بِالْبَيْعِ، فَهُوَ كَمَنْ وَافَقَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ وَخَالَفَ فِي الْجِهَةِ‏.‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْقَبْضِ بِالْإِذْنِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَبِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ نَفْيَ دَعْوَى الْآخَرِ فَتَسَاقَطَتَا وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ تَسَاقُطِهِمَا فَمُدَّعِي الْهِبَةِ لَمْ يُوَافِقْ الْمَالِكَ عَلَى مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا‏.‏ فَالْعِبْرَةُ بِالتَّوَافُقِ عَلَى نَفْسِ الْإِقْرَارِ لَا عَلَى لَازِمِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ادَّعَى صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسَادَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ ادَّعَى‏)‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسَادَهُ‏)‏ كَأَنْ ادَّعَى اشْتِمَالَهُ عَلَى شَرْطٍ ‏(‏فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ، وَالظَّاهِرُ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يُصَدَّقُ مُدَّعِي الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا رَجَحَ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ لِاعْتِضَادِهِ بِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْتِزَامِ الْعُقُودِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ‏:‏ مِنْهَا مَا إذَا بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ أَرْضٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذُرْعَانَهَا فَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ ذِرَاعًا مُعَيَّنًا مُبْهَمًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْإِشَاعَةَ، فَالْمُصَدَّقُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِإِرَادَتِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ‏:‏ كَاتَبْتُك وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ وَعَرَّفَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْمُصَدَّقُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا يَكُونُ وُجُودُهُ شَرْطًا كَبُلُوغِ الْبَائِعِ كَأَنْ بَاعَهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَمْ أَكُنْ بَالِغًا حِينَ الْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي وَاحْتَمَلَ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُلُوغِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا قَالَ السَّيِّدُ‏:‏ كَاتَبْتُك عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الرَّقِيقُ‏:‏ بَلْ عَلَى نَجْمَيْنِ؛ فَإِنَّ الرَّقِيقَ هُوَ الْمُصَدَّقُ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ مُشْتَرِي الْمَغْصُوبِ‏:‏ كُنْتُ أَظُنُّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَأَنَا الْآنَ لَا أَقْدِرُ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ لَاعْتِضَادِهِ بِقِيَامِ الْغَصْبِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اخْتَلَفَا هَلْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ أَوْ اعْتِرَافٍ فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي وُقُوعِهِ عَلَى إنْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ‏:‏ أَذِنْت فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ رَهْنِ الثَّمَنِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ‏:‏ بَلْ مُطْلَقًا فَالْمُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ هَكَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقَعْ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ، وَلَا مِنْ نَائِبِهِمَا، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ رَأَيْتُ الْمَبِيعَ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ اخْتَلَفَا هَلْ شَرَطَ الْقَطْعَ أَوْ لَا، أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا الِاخْتِلَافُ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَجْرِي فِي غَيْرِ الْبَيْعِ كَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَلَوْ ادَّعَى صِحَّةَ الْعَقْدِ لَكَانَ أَوْلَى‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَجَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا الْمَبِيعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا‏)‏ مَثَلًا مُعَيَّنًا وَقَبَضَهُ ‏(‏فَجَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ‏:‏ لَيْسَ هَذَا الْمَبِيعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ وَبَقَاءِ الْعَقْدِ ‏(‏وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ‏)‏ بِأَنْ يَقْبِضَ الْمُسْلِمُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ثُمَّ يَأْتِي بِمَعِيبٍ فَيَقُولُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَيْسَ هَذَا الْمَقْبُوضُ ‏(‏يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ بِيَمِينِهِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْبُوضُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالثَّانِيَ‏:‏ يُصَدَّقُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كَالْبَيْعِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُنْكِرِ، وَهُنَاكَ اعْتَرَفَ بِقَبْضِهِ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ الْفَسْخِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَقَيَّدْتُ الْعَبْدَ فِي كَلَامِهِ بِالْمُعَيَّنِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَبِيعِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ فَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ قُبِضَ الْبَيْعُ مَثَلًا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا ثُمَّ ادَّعَى نَقْصًا، فَإِنْ كَانَ قَدْرًا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِهِ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ؛ وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْقَبْضِ، وَالْقَابِضُ يَدَّعِي الْخَطَأَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَمَا لَوْ اقْتَسَمَا ثُمَّ جَاءَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْخَطَأَ فِيهِ تَلْزَمُهُ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَوَجَدَهُ خَمْرًا أَوْ وَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً، وَقَالَ‏:‏ هَكَذَا قَبْضَتُهُ مِنْك وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْدَقَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ بَاعَ شَخْصٌ شَيْئًا فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ لِابْنِهِ أَوْ مُوَكِّلِهِ فَوَقَعَ اخْتِلَافٌ كَأَنْ قَالَ الِابْنُ‏:‏ بَاعَ أَبِي مَالِي فِي الصِّغَرِ لِنَفْسِهِ مُتَعَدِّيًا، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَاعَ وَكِيلِي مَالِي مُتَعَدِّيًا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَتَعَدَّ الْوَلِيُّ وَلَا الْوَكِيلُ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَبِ وَالْوَكِيلِ أَمِينٌ فَلَا يُتَّهَمُ إلَّا بِحُجَّةٍ‏.‏

بَابٌ‏:‏ ‏[‏فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ‏]‏

المتن‏:‏

الْعَبْدُ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

بَابٌ‏:‏ فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ هَذَا الْبَابَ عَقِبَ الْقِرَاضِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ بِالْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هُنَا وَتَرْجَمَ لَهُ بِمُدَايَنَةِ الْعَبْدِ، وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ تَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ تَصَرُّفَاتُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ‏:‏ مَا لَا يَنْفُذُ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ كَالْوِلَايَاتِ، وَمَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْعِبَادَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ ‏(‏الْعَبْدُ‏)‏ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ‏:‏ لَفْظُ الْعَبْدِ يَشْمَلُ الْأَمَةَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ الرَّقِيقُ الَّذِي يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ حُرًّا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، وَالثَّانِي‏:‏ يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ الثَّمَنِ بِالذِّمَّةِ وَلَا حَجْرَ لِسَيِّدِهِ فِيهَا، وَنَسَبَ هَذَا الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدٌ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ الْآخَرُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ الْآخَرُ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏يَسْتَرِدُّهُ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعَ ‏(‏الْبَائِعُ‏)‏ أَيْ لَهُ طَلَبُ رَدِّهِ ‏(‏سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ‏)‏ يَدِ ‏(‏سَيِّدِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ السَّيِّدُ إذَا أَدَّاهُ الرَّقِيقُ مِنْ مَالِهِ لِمَا ذُكِرَ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَمْ سَيِّدِهِ، فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ، وَالْإِتْيَانُ بِأَوْ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ، أَوْ فِي يَدِ السَّيِّدِ فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُهُ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَاقْتِرَاضُهُ كَشِرَائِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ تَلِفَ‏)‏ الْمَبِيعُ ‏(‏فِي يَدِهِ‏)‏ أَيْ الْعَبْدِ ‏(‏تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ‏)‏ فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِثُبُوتِهِ بِرِضَا مَالِكِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ وَالضَّابِطُ فِيمَا يُتْلِفُهُ الْعَبْدُ أَوْ يَتْلَفُ تَحْتَ يَدِهِ إنْ لَزِمَ بِغَيْرِ رِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَإِتْلَافٍ أَوْ تَلِفَ بِغَصْبٍ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ وَإِنْ لَزِمَ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ سَوَاءٌ رَآهُ السَّيِّدُ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَتَرَكَهُ أَمْ لَا أَوْ بِإِذْنِهِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ وَكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَلِفَ ‏(‏فِي يَدِ السَّيِّدِ فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُهُ‏)‏ أَيْ السَّيِّدُ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْبَائِعِ ‏(‏مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ‏)‏ أَيْضًا ‏(‏بَعْدَ الْعِتْقِ‏)‏ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَلَوْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ وَتَلِفَ فِي يَدِ غَيْرِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا ‏(‏وَاقْتِرَاضُهُ‏)‏ وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ مَا عَدَا النِّكَاحَ ‏(‏كَشِرَائِهِ‏)‏ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ‏.‏ أَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَصِحُّ جَزْمًا، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ قَدْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ مَعَ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ إذْنٍ مِنْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَظْهَرِ فِي النِّهَايَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ أَيْ‏:‏ لِأَنَّ عِلْمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْعَبْدَ مَأْذُونٌ لَهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ إذْنِهِ فِي بَيْعِ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مَعَهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ السَّيِّدِ الرَّقِيقَ الْمَأْذُونَ حَجْرٌ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَسُكُوتُ السَّيِّدِ لَا يَكْفِي كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَصَرَّفَ بِحَسَبِ الْإِذْنِ، فَإِنْ أَذِنَ فِي نَوْعٍ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ أَذِنَ لَهُ‏)‏ سَيِّدُهُ ‏(‏فِي التِّجَارَةِ تَصَرَّفَ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ السَّيِّدِ وَقَدْ زَالَ، قَالَ‏:‏ وَشَرَطَ فِي التَّنْبِيهِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بَالِغًا رَشِيدًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ لَمْ أَجِدْهُ فِي الْحَاوِي فِي مَظَانِّهِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ وَالْعَقْلُ يَبْعُدُ أَنْ لَا يَصِحَّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْفَاسِقِ، وَالْمُبَذِّرُ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَزِيدُ بِالْإِذْنِ عَلَى تَصَرُّفِ الْحُرِّ ‏(‏بِحَسَبِ الْإِذْنِ‏)‏؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْإِذْنِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الرَّقِيقِ ‏(‏فَإِنْ أَذِنَ‏)‏ لَهُ ‏(‏فِي نَوْعٍ‏)‏ كَالثِّيَابِ أَوْ فِي وَقْتٍ كَشَهْرِ كَذَا أَوْ فِي بَلَدٍ ‏(‏لَمْ يَتَجَاوَزْهُ‏)‏ كَالْوَكِيلِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَفُهِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِإِنْ الشَّرْطِيَّةِ أَنَّ تَعْيِينَ النَّوْعِ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ لَا يُوجَدَ وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إذَا قَالَ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ ا هـ‏.‏

وَيَسْتَفِيدُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ كُلُّ مَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اسْمِهَا وَمَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِهَا وَتَوَابِعِهَا كَالنَّشْرِ وَالطَّيِّ وَحَمْلِ الْمَتَاعِ إلَى الْحَانُوتِ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ وَمُخَاصَمَةٍ فِي عُهْدَةٍ، وَالْمُرَادُ الْمُخَاصَمَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ الْمُعَامَلَةِ‏.‏ أَمَّا مُخَاصَمَةُ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي عَامِلِ الْقِرَاضِ، وَهَذَا مِثْلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى شَيْءٍ تَصَرَّفَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي كُلِّ الْأَنْوَاعِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبُلْدَانِ، وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفًا وَقَالَ لَهُ‏:‏ اتَّجِرْ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِ الْأَلْفِ وَبِقَدْرِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَزِيدُ‏.‏ فَإِنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْأَلْفُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لِلْبَائِعِ لَمْ يَنْفَسِخْ عَقْدُهُ بَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يُوفِهِ السَّيِّدُ، وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ اجْعَلْهُ رَأْسَ مَالِكَ وَتَصَرَّفْ وَاتَّجَرَ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ مَالٍ فَيَشْتَرِيَ بِالْإِذْنِ فِي الذِّمَّةِ وَيَبِيعَ كَالْوَكِيلِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْإِذْنُ فِي الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ إلَى تَقْيِيدٍ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحٌ وَلَا يُؤْجِرُ نَفْسَهُ، وَلَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي تِجَارَةٍ، وَلَا يَتَصَدَّقُ وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَاقِهِ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَيْسَ لَهُ‏)‏ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ ‏(‏نِكَاحٌ‏)‏ لِنَفْسِهِ وَلَا لِرَقِيقِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ ‏(‏وَلَا يُؤْجِرُ نَفْسَهُ‏)‏ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهِ، فَكَذَا فِي مَنْفَعَتِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ وَلَهُ أَنْ يُؤْجِرَ مَالَ التِّجَارَةِ ثِيَابَهَا وَرَقِيقَهَا وَدَوَابَّهَا ‏(‏وَلَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ‏)‏ أَيْ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ ‏(‏فِي تِجَارَةٍ‏)‏ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ جَازَ، وَيَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ السَّيِّدِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ وَإِضَافَةُ عَبْدِ التِّجَارَةِ إلَيْهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ، وَهَذَا فِي التَّصَرُّفِ الْعَامِّ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي تَصَرُّفٍ خَاصٍّ كَشِرَاءِ ثَوْبٍ جَازَ كَمَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا غِنًى لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي مَنْعِهِ مِنْهُ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا يَتَصَدَّقُ‏)‏ وَلَوْ عَبَّرَ بِيَتَبَرَّعُ كَانَ أَعَمَّ لِيَشْمَلَ الْهِبَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا يَتَّخِذُ دَعْوَةً، وَهِيَ بِتَثْلِيثِ الدَّالِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ، وَفَتْحُهَا أَشْهَرُ‏:‏ الطَّعَامُ الْمَدْعُوُّ إلَيْهِ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ لَوْ غَابَ السَّيِّدُ فَالْوَجْهُ الْجَوَازُ لِلْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ وُجْدَانِ حَاكِمٍ يُرَاجِعُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يُسَافِرُ بِمَالِ التِّجَارَةِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَلَا يَبِيعُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا نَسِيئَةً‏.‏ قَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالنَّسِيئَةِ بِلَا إذْنٍ ‏(‏وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ‏)‏ وَلَا رَقِيقَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ تَصَرَّفَهُ لِلسَّيِّدِ، وَيَدُ رَقِيقِ السَّيِّدِ كَالسَّيِّدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَلَا يَشْتَرِي مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَحَّ الشِّرَاءُ وَعَتَقَ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّقِيقُ مَدْيُونًا وَإِلَّا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ فِي إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ ‏(‏وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَاقِهِ‏)‏ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا تُوجِبُ الْحَجْرَ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أَبَقَ إلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إنْ خَصَّ السَّيِّدُ الْإِذْنَ بِبَلَدِهِ‏.‏ فَإِنْ عَادَ إلَى الطَّاعَةِ تَصَرَّفَ جَزْمًا، وَلَوْ أَذِنَ لِأَمَتِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ تَنْعَزِلْ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ مَنَافِعِهَا ‏(‏وَلَا يَصِيرُ‏)‏ الرَّقِيقُ ‏(‏مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ مَا الْإِذْنُ فِيهِ شَرْطٌ لَا يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ كَبَيْعِ مَالِ غَيْرِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ‏)‏ وَلَوْ لِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعَادَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ أَنْسَبُ، وَلَوْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ أَنَّهُ اسْتَعَارَهُ قُبِلَ مِنْهُ، وَقِيلَ لَا، ذَكَرَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضِهِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ اسْتِخْدَامٌ لَا تَوْكِيلٌ، وَقَدْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كُلُّ مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ وَوَقْفٍ، وَفِي كِتَابَتِهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهَا حَجْرٌ وَإِجَارَتُهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا كَذَلِكَ، وَتَحِلُّ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ كَمَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَى الْحُرِّ بِمَوْتِهِ وَتُؤَدَّى مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِهِ

المتن‏:‏

وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ لَمْ يُعَامِلْهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ وَفِي الشُّيُوعِ وَجْهٌ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ لَمْ يُعَامِلْهُ‏)‏ أَيْ لَمْ تَجُزْ لَهُ مُعَامَلَتُهُ حِفْظًا لِمَالِهِ ‏(‏حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ‏)‏ لَهُ ‏(‏بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ غَلَبَةُ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَالشُّيُوعَ لَا يُفِيدَانِ إلَّا الظَّنَّ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِخَبَرِ عَدْلٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكْفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلْحَاقًا لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَكَمَا يَكْفِي سَمَاعُهُ مِنْ السَّيِّدِ وَالشُّيُوعِ، وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَيَكْفِي خَبَرُ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ، بَلْ يَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ شُيُوعٍ لَا يُعْرَفُ أَصْلُهُ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ مَا يُقَامُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ إخْبَارُ عَدْلَيْنِ لَهُ‏؟‏ الظَّاهِرُ الثَّانِي‏.‏ وَهَذِهِ الْأَبْحَاثُ كُلُّهَا ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ إذْنُ السَّيِّدِ ‏(‏وَفِي الشُّيُوعِ وَجْهٌ‏)‏ أَنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مُحَقَّقٌ وَالزَّوَالُ مَشْكُوكٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَأُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رِقَّهُ وَلَا حُرِّيَّتَهُ جَازَ لَهُ مُعَامَلَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ ‏(‏وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ‏)‏ أَنَا مَأْذُونٌ لِي؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، فَلَوْ عَامَلَهُ فَبَانَ مَأْذُونًا لَهُ صَحَّ كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا، وَمِثْلُهُ لَوْ عَامَلَ مَنْ أُنْكِرَتْ وَكَالَتُهُ أَوْ عُرِفَ سَفَهُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى وَكِيلٌ وَفِي الثَّانِي رَشِيدٌ، وَلَوْ قَالَ الْمَأْذُونُ لَهُ حَجْرٌ عَلَى سَيِّدِي لَمْ تَصِحَّ مُعَامَلَتُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ بِزَعْمِ الْعَاقِدِ فَلَا يُعَامَلُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، وَتَكْذِيبُ الْآذِنِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ كَمَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً‏:‏ لَا أَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ أَعَمُّ مِنْ الْإِذْنِ‏.‏ نَعَمْ، لَوْ قَالَ‏:‏ كُنْتُ أَذِنْتُ لَهُ وَأَنَا بَاقٍ عَلَيْهِ جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّقِيقُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ مُعَامَلَتِهِ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ السَّيِّدُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَامِلُ لَهُ سَمِعَ الْإِذْنَ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ وَإِلَّا جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَيْثُ ظَنَّ كَذِبَ الْعَبْدِ جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ، ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ حَسَنٌ وَلِمَنْ عَلِمَهُ مَأْذُونًا لَهُ وَعَامَلَهُ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْعِوَضَ حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْإِذْنِ خَوْفًا مِنْ خَطِّ إنْكَارِ السَّيِّدِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَصْوِيرُهَا بِمَا إذَا عَلِمَ الْإِذْنَ بِغَيْرِ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ، وَالْأَصْلُ دَوَامُ الْإِذْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ شَخْصٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومُ الرِّقِّ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ بَاعَ مَأْذُونٌ لَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهَا عَلَى الْعَبْدِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ فَلَا، وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الْخِلَافُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ بَلْ يُؤَدَّى مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا مِنْ كَسْبِهِ بِاصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ بَاعَ مَأْذُونٌ لَهُ‏)‏ شَيْئًا ‏(‏وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهَا‏)‏ أَيْ بَدَلِ ثَمَنِهَا فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ فَلَيْسَ بِسَهْوٍ كَمَا قِيلَ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمِنْهَاجِ بِبَدَلِهِ‏:‏ أَيْ الثَّمَنِ، وَهُوَ أَوْضَحُ ‏(‏عَلَى الْعَبْدِ‏)‏ وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُهْدَةُ كَعَامِلِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكِيلِ فَإِنَّ لِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَتُهُمَا وَلَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ سَوَاءٌ أَدَفَعَ لَهُمَا رَبُّ الْمَالِ الثَّمَنَ أَمْ لَا، وَإِذَا غَرِمَا رَجَعَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا غَرِمَ بَعْدَ عِتْقِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ مَا غَرِمَهُ مُسْتَحَقٌّ بِالتَّصَرُّفِ السَّابِقِ عَلَى عِتْقِهِ وَتَقَدُّمِ السَّبَبِ كَتَقَدُّمِ الْمُسَبَّبِ، فَالْمَغْرُومُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْمَغْرُومِ قَبْلَهُ، وَهَكَذَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الَّذِي أَجَّرَهُ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الْعِتْقِ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُشْتَرِي ‏(‏مُطَالَبَةُ‏)‏ السَّيِّدِ بِهِ ‏(‏أَيْضًا‏)‏ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُ، فَكَأَنَّهُ الْبَائِعُ وَالْقَابِضُ لِلثَّمَنِ ‏(‏وَقِيلَ لَا‏)‏ يُطَالِبُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ قَدْ أَعْطَاهُ اسْتِقْلَالًا وَقَصُرَ طَمَعُ الَّذِي يُعَامِلُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَذِمَّتِهِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ فَلَا‏)‏ يُطَالِبُهُ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِمَا فِي يَدِهِ وَإِلَّا فَيُطَالِبُ ‏(‏وَلَوْ اشْتَرَى‏)‏ الْمَأْذُونُ ‏(‏سِلْعَةً فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الْخِلَافُ‏)‏ بِتَعْلِيلِهِ ‏(‏وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَالصَّدَاقِ وَلَا بِمَهْرِ الْأَمَةِ الْمَأْذُونَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ بُضْعِهَا وَهُوَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الدُّيُونُ فَكَذَا بَدَلُهُ، وَلَا تَتَعَلَّق أَيْضًا بِسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ كَأَوْلَادِ الْمَأْذُونِ ‏(‏وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ‏)‏ وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِمُعَاوَضَةٍ مَقْصُودَةٍ أَذِنَ فِيهَا السَّيِّدُ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالْكَسْبِ كَالنَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِنَحْوِ سَطْرَانِ لِسَيِّدٍ يُطَالِبُ بِبَدَلِ الثَّمَنِ التَّالِفِ فِي يَدِ الْعَبْدِ، وَبِثَمَنِ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَيْضًا وَقَدْ وَقَعَ الْمَوْضِعَانِ كَذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ سَبَبُ هَذَا التَّنَاقُضِ أَنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا هُوَ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ‏.‏

وَقَالَ فِي الْبَسِيطِ إنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَأَشَارَ فِي الْمَطْلَبِ إلَى تَضْعِيفِهَا‏.‏ وَثَانِيًا‏:‏ هُوَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ، وَنَصُّ الْأُمِّ يَشْهَدُ لَهُ، فَجَمَعَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا فَلَزِمَ مِنْهُ مَا لَزِمَ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ عَلَى ذَلِكَ‏:‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِشَيْءٍ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ مُطَالَبَةِ الْقَرِيبِ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ وَالْمُوسِرِ بِنَفَقَةِ الْمُضْطَرِّ وَاللَّقِيطِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُطَالَبُ لِيُؤَدِّيَ مِمَّا فِي يَدِ الْعَبْدِ لَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِمَّا كَسَبَهُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْوَارِثِ فِي التَّرِكَةِ يُطَالِبُ بِالْوَفَاءِ بِقَدْرِهَا فَقَطْ، وَفَائِدَةُ مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْعَبْدِ مَالٌ احْتِمَالُ أَنَّهُ يُؤَدِّيه؛ لِأَنَّ لَهُ بِهِ عَلَقَةً فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذِمَّتَهُ، فَإِنْ أَدَّاهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَلَا ‏(‏بَلْ يُؤَدَّى مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ‏)‏ أَصْلًا وَرِبْحًا لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ وَالْإِذْنِ ذَلِكَ ‏(‏وَكَذَا مِنْ كَسْبِهِ‏)‏ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ ‏(‏بِالِاصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ‏)‏ كَالِاحْتِطَابِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَهْرُ وَمُؤَنُ النِّكَاحِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا كَسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ بَقِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الرَّقِيقِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ فَيُطَالَبَ بِهِ، أَمَّا كَسْبُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ التِّجَارَةِ بِالْحَجْرِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ الْجَدِيدَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ وَهُوَ الْقَدِيمُ يَمْلِكُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ‏}‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ دَلَّ إضَافَةُ الْمَالِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ إضَافَتَهُ فِيهِ لِلِاخْتِصَاصِ لَا لِلْمِلْكِ إذْ لَوْ كَانَتْ لِلْمِلْكِ لَنَافَاهُ جَعْلُهُ لِسَيِّدِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ هُوَ مِلْكٌ ضَعِيفٌ يَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِهِ جَزْمًا‏.‏ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَقْفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَفِي الظِّهَارِ، وَفِي تَكْفِيرِ الْعَبْدِ بِالصَّوْمِ، وَأَجْرَى فِيهِ الْخِلَافَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي‏.‏ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ فَلَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا بِخِلَافِ الْمُبَعَّضِ وَالْمُكَاتَبِ، وَلَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً مَلَكَهَا وَلَمْ يَجُرْ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ مَمْلُوكٌ، وَالْوَطْءُ يَقَعُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ لَا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَطْءُ أَمَتِهِ وَلَوْ بِالْإِذْنِ لِضَعْفٍ مَلَكَهُ وَلِلْخَوْفِ مِنْ هَلَاكِ الْأَمَةِ بِالطَّلْقِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ قَبِلَ الرَّقِيقُ وَلَوْ سَفِيهًا هِبَةً أَوْ وَصِيَّةً بِلَا إذْنٍ صَحَّ، وَإِنْ نَهَاهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لَا يَعْقُبُ عِوَضًا كَالِاحْتِطَابِ وَدَخَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ قَهْرًا، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ أَوْ الْمُوصَى بِهِ أَصْلًا لِلسَّيِّدِ أَوْ فَرْعًا لَهُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَالَ الْقَبُولِ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ أَوْ صِغَرٍ لَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ، وَنَظِيرُهُ قَبُولُ الْوَلِيِّ لِمُوَلِّيهِ ذَلِكَ‏.‏‏.‏